ويقول تعالى: ï´؟وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَï´¾ [الأعراف: 179]، وفي هذه الآيات يربط القرآن الكريم بين العقل والقلب، فهل العقل والفهم محله في القلب أم الدماغ؟
الدماغ مخزن الذاكرة والأفكار، والقلب مكان المشاعر والميول ومركز الإحساس، على الرغم من مكابرة البعض بقولهم: إن العضو الذي يضبط أعمال الإنسان وأفعاله هو الدماغ لا القلب، لكن القرآن يؤكد أن لفظ القلب يعني به نفس العضو الذي يوجد في صدر الإنسان: ï´؟الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِï´¾ [الحج: 46]، نصٌّ صريح بدون تأويل؛ لزيادة التأكيد على أن المقصود بالقلب هو هذا القلب الذي نحمله في صدورنا، فقد انتهى البحث العلمي في العصر الحديث إلى إثبات حقائق علمية تؤكد عقلانية القلب ووعيه، فهو يفكر، ويدرك، ويشعر، وينقل المعلومات إلى المخ لتتحرك أعضاء البدن:]
يقول الدكتور فاضل السامرائي: إن مناط التفكير هو العقل، والقلب مناط الحث على العمل، ونقل الدكتور محمد راتب النابلسي عن دراسة غربية أكدت وجود خلايا عصبية محيطة بالقلب، وقدرتها أضعاف خلايا الدماغ، بل هي تحكم خلايا الدماغ.
إن العقل - لغةً - يراد به الربط؛ أي المعرفة والتمييز بربط العلامات والدلائل بعضها ببعض، والعقل صفة للقلب والدماغ معًا، فالقلب يعقِل ويربط ما نشعر ونتأثر به، وكذلك الدماغ يعقل؛ أي: يربط ما يصله من القلب وأجزاء الجسم الأخرى ليحللها، ويربط المعلومات والدلائل ببعضها ببعض؛ لمعرفة وتمييز الخطأ والصواب والمطلوب عمله، فنعرف من هذا أن معنى الآية: ï´؟لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَاï´¾ [الحج: 46] أن القلوب هي الفطرة التي تعقل - تربط - ما تشعر به، وتصل من خلاله إلى الحق، وهكذا يُعرَف الله تعالى بالعقل والقلب؛ يقول تعالى: ï´؟نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَï´¾ [الشعراء: 193، 194]، ويقول تعالى: ï´؟قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَï´¾ [البقرة: 97].
القلب محل الفكر والشعور ومنبعه، والدماغ محل المنطق والتحليل، وعمل أحدهما لا يلغي عمل العضو الآخر، فلا بد للدماغ أن يحلل المشاعر الصادرة من القلب، وما تراه وتسمعه وتلمسه أجزاء الجسم الأخرى.
حين يحزن الإنسان بشدة يشعر بألم في قلبه الذي في صدره لا في دماغه، وكذلك حين يفرح ويشعر بارتياح في قلبه لا في دماغه، وحين يحاول حل مسألة حسابية معقَّدة يشعر بألم في رأسه؛ لأنه يحلل بدماغه، وقد يجتمع القلب والعقل عندما يحلل الدماغ ويفشل، فيشعر القلب معه بالإحباط.
فالعقل عمل يمتاز به القلب (محل الشعور)، والدماغ (محل العمليات الذهنية)، وبذلك يبدأ الأمر كله بتزكية القلب وطهارته؛ لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ألَا إن في الجسد مُضْغَةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب))؛ [البخاري: كتاب الإيمان].
فإذا طهر القلب، طهرت الأعمال، والعمى إذا أصاب القلب والروح أدى إلى ضياع الإنسان، وفساد فطرته، وبهذا نرى أنه كلما تقدم العلم، فإنه يكشف لنا عن جانب من إعجاز القرآن الكريم، وأن هذا القرآن هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطلمنبين يديه، ولامنخلفه، تنزيلمن حكيم حميد.