الحمد لله الذي أحسن تدبير الكائنات ، وخلق الأرضين والسماوات ، وأنزلالماء من المعصرات ، وأنشأ الحب والنبات ، وقدر الأرزاقوالأقوات، وأثاب على الأعمال الصالحات
والصلاة والسلام على سيدنامحمدصلى الله عليه وسلم ذي المعجزاتالظاهرات ، والذي بدعوته اهتدت المخلوقات وتأثرت به سائرا لكائنات .
وبعــــــــــــــــــــــــــد
إنَّ الله تبارك وتعالى رحمة بنا شرع لنا سننن وشرائع ومناسك تقربنا إليه في كل وقت وفي كل حين وخصَّ منهاأعمال لا تقبل إلا في وقت دون وقت وزمان دون أخر. ومنها هلال العشر المباركات من ذي الحجة.
قال تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِيأَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) الحـج: 27
فيذكروا الله في الأيام المعلومات من أول الشهر إلى نهايةاليوم الثالث عشر عند غروب الشمس، يكبروا الله ويذكروه سبحانه، فهي أيام عظيمةفاضلة، والثلاثة منها معدودات وهي الأخيرة: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر،وهي أيام منى وأيام رمي الجمار.
قال تعالى: (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَفِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْه) البقرة: 203
هذه ثلاثة: الحادي عشر،والثاني عشر والثالث عشر، هذه المعدودات.
والمعلومات أيام العشر مع أيام التشريق، وقال جماعة: إنهاأيام العشر فقط، وقال آخرون: إنها أيام العشر مع أيام التشريق، كلها معلومات، يكبرفيها، يكبر المسلمون فيها من أول العشر إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر
فضل العشر من ذيالحجة:
وللعشرالأوائل منه فضل خاص، أقسم الله بها في كتابه تأكيداً لفضلها،
فقال تعالى: (وَالْفَجْرِ، وَلَيالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)الفجر:1ـ3.
قَالَ الضَّحَّاك : فَجْر ذِي الْحِجَّة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَرَنَ الْأَيَّام بِهِ فَقَالَ : " وَلَيَالٍ عَشْر " أَيْ لَيَالٍ عَشْر مِنْ ذِي الْحِجَّة . وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدوَالسُّدِّيّ وَالْكَلْبِيّ فِي قَوْله : " وَلَيَالٍ عَشْر " هُوَ عَشْر ذِيالْحِجَّة , وَقَالَ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ مَسْرُوق هِيَ الْعَشْر الَّتِيذَكَرَهَا اللَّه فِي قِصَّة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام " وَأَتْمَمْنَاهَابِعَشْرٍ " [ الْأَعْرَاف : 142 ] , وَهِيَ أَفْضَل أَيَّام السَّنَة
ـ وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم "أَفْضَلُ أَيَّامِ الْدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ، يَعْنِي عَشْرُ ذِي الحْجَّةِ". أخرجه البزار وصححه الألباني.
قال المناوي: (أفضل أيام الدنيا) خرج به أيام الآخرة فأفضلها يوم المزيد يوم يتجلى اللّه لأهل الجنة فيرونه. أما (أيام العشر) أي عشر ذي الحجة لاجتماع أمّهات العبادة فيه وهي الأيام التي أقسم اللّه بها في التنزيل .ولهذا سنّ الإكثار من التهليل والتكبير والتحميد فيها .
ـ وبين النبيصلى الله عليه وسلم فضلها بقوله: (مَامِنْ أيام الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إلى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأيام - يعْنِي أيام الْعَشْرِ - قَالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، ولا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِاللَّهِ؟ قَالَ: ولا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِوَمَالِهِ في سبيل الله، ثم لم يرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيءٍ). رواه أحمد والبخاريوأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم.
شرح الحديث:
قال ابن حجر: وفي الحديث تعظيم قدر الجهاد وتفاوت درجاته وأن الغاية القصوى فيه بذل النفس لله، وفيه تفضيل بعض الأزمنة على بعض، والأمكنة، وفضل أيام عشر ذي الحجة على غيرها من أيام السنة، وتظهر فائدة ذلك فيمن نذر الصيام أو علق عملاً من الأعمال بأفضل الأيام، فلو أفرد يوماً منها تعين يوم عرفة، لأنه على الصحيح أفضل أيام العشر المذكورة.
وقد دل هذا الحديث على أن العمل في أيام ذي الحجة أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها، وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده من سائر الأيام والليالي.
أفضل الأعمال في هذه الأيام:
1ـ التوبة النصوح:
إنَّ التوبة واجبة في كل وقت ومن كل ذنب وتُستحب أكثر في هذه الأيام بسبب فضلها عند الله فيستغلها العبد في العودة إلى الله والتوبة من كل ذنب فعله في الماضي والإقلاع عن كل ذنب قائم عليه في الحال . وأنَّ يغتنم هذه الأيام في فعل الصالحات والمداومة على العبادات والتقرب إلى رب الأرض والسموات.
قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) آل عمران: 133
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا)التحريم: 8
2ـ الصيام:
إنَّ صيام التسع من ذي الحجة من أقرب القربات إلى خالق الأرض والسموات وخاصةً يوم عرفة لغير الحاج.
ـ عن حفصة قالت: "أربعٌ لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم صيامُ عاشوراءَ، والعَشرِ، وثلاثةِ أيام من كل شهرٍ، والركعتين قبلَ الغداةِ" رواه أحمد والنسائي
ـ وعن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة، وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية" رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي.
ـ وعن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم "عن صوم يوم عرفة بعرفاتٍ" رواه أحمد وابن ماجه
ـ وعن أم الفضل: "أنهم شكوا في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فأرسلت إليه بلبن فشرب وهو يخطب الناس بعرفة" متفق عليه
فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ اْلأنْصَارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ" رواه مسلم والترمذي وابن ماجه.
قال النووي: معناه يكفر ذنوب صائمه في السنتين، قالوا: والمراد بها الصغائر، وهذا يشبه تكفير الخطايا بالوضوء، فإن لم تكن هناك صغائر يرجى التخفيف من الكبائر، فإن لم يكن رفعت درجات.
قلـت:
وهذا في حق الصغائر من الذنوب فأما الكبائر تحتاج التوبة منها والبعد عنها.
3ـ المحافظة على الصلاة والنوافل
والصلاة من أجلّ الأعمال وأعظمها وأكثرها فضلاً،ولهذا يجب على المسلم المحافظة عليها في أوقاتها مع الجماعة، وعليه أن يكثر منالنوافل في هذه الأيام، فإنها من أفضل القربات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: "وما تقربإلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" رواه البخاري
وللحديث بقية